الثقافة في الإمارات باتت طريقة عيش تحكم مختلف النشاطات والقرارات المرأة الإماراتية ضلعاً استراتيجيا في المشهد الثقافي
مقال-الأحد 14 أكتوبر 2018المرأة الإماراتية ضلعاً استراتيجيا في المشهد الثقافي
بعد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، بدا واضحاً أن نقلة نوعية واستراتيجية كبيرة، طرأت على الإمارات العربية، التي صنعت أهم تجربة وحدوية عربية في عصرنا الحالي، إذ منذ ذلك التاريخ، تطورت كل مناحي الحياة في هذه البلاد، حيث تطور العلم والثقافة، والصناعة والزراعة والفن بكل أشكاله ،وتطور الإبداع في بلادنا تطوراً هائلاً، ولا سيما في فترة ما بعد ظهور النفط.
ولم يقتصر هذا التطور على فئة معينة، وإنما شمل مختلف الشرائح الاجتماعية، في إطار السياسة الرشيدة التي انتهجتها قيادة الإمارات، آنذاك بقيادة المؤسس وباني دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والذي ظلت أفكاره الرائدة، كالبوصلة التي تسير على هديها دولة الإمارات، في ظل قيادتها برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة.
ومع أن التطور في الإمارات كان تطوراً شاملاً لكل مناحي الحياة، إلا أننا سنتوقف في هذه العجالة، أمام التطور الكبير الذي طرأ على شريحة جد هامة في المجتمع، وهي المرأة،ولا سيما دورها في النهوض الثقافي الذي تشهده دولة الإمارات العربية المتحدة،حيث راحت المرأة الإماراتية التي لاقت كل الدعم والتشجيع، تقتحم عالم الثقافة، وتساهم بشكل كبير وفعال في مسيرة التطور الثقافي الكبيرة التي تشهدها بلادنا .
خاصة وأن الثقافة في الإمارات باتت طريقة عيش تحكم مختلف النشاطات والقرارات اليومية، وهي ثقافة ليست وليدة يومها وإنما هي امتداد لتاريخ ثقافي ضاربة جذوره في العمق.
ولو توقفنا قليلاً عند البدايات بعد لإقامة الاتحاد لوجدنا أن الثقافة بدأت تزدهر بشكل كبير في الإمارات من خلال التعليم والنهوض به، وظهور المؤسسات الإعلامية والثقافية الجديدة التي عززت الحركة الثقافية، في الدولة وأسهمت بشكل فعال في تطورها ونضوجها بأفضل السبل .
وبات من الممكن الحديث عن تطور ثقافي يجمع أطراف أكثر من فئة، وعن حالة انتعاش فكري حقيقي، يتماشي مع النهوض المعماري والإقتصادي، حتى بات ذلك النهوض الثقافي يضاهي العمران المادي بل يكاد يتفوق عليه .
ونستطيع القول إن قيام دولة الاتحاد وتأسيس الدولة الحديثة قد فتحا أمام المرأة الإماراتية الكثير من المجالات التي لم تكن متاحة أمامها في السابق، خاصة مع ولوجها ميدان التعليم،في ظل التشجيع الكبير، من القيادة الإماراتية، لمسيرة العلم والتعليم، والمراهنة على أهمية بناء الإنسان،لتشييد الصرح الحضاري الكبير هذا .
فكما هو معروف فإن المجتمع الإماراتي التقليدي كان محكوماً بالعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، ذات الطابع التقليدي، وفي ظل الظروف التي كانت سائدة قبل قيام الاتحاد لم تنل القدر الكافي من التعليم، وكانت تمارس معظم أدوارها زوجةً وأماً وربة منزل، إلا ان دورها في المجتمع تنامى وكبر، وتشعب بعد دخولها ميادين العلم، بل وتفوقها فيها .
والحقيقة أن تطور وضع المرأة وبروزه في المجتمع يعكس بشكل أو بآخر كل تطور حوله، حيث يرتبط ارتباطاً عضوياً بتطور المجتمع كله.
و منذ تأسيس الاتحاد النسائي في عام ،1975 إن هذا الشكل التنظيمي لإطار العمل في تلك الفترة دليل على تبلور فكرة العطاء بمنهجية يراد لها التراكم المنتج والمؤثر في المجتمع ايجابياً .
ولعب التعليم دوره المحوري في الارتقاء بوعي المرأة، وتغيرها من الطابع التقليدي إلى الطابع الحديث، حيث مكنها التعليم من تكوين شخصيتها الواعية، وهويتها الثقافية، ومقدرتها على التفاعل مع متغيرات عصر المعرفة والمعلومات، والمنافسة عن جدارة في سوق العمل،وهذا ماأعطاها رصيداً ثقافياً كبيراً،وحصيلة معرفية هامة .
ونتيجة لذلك فقد خرجت المرأة الإماراتية إلى المجتمع الأوسع، بعدما كانت تمارس معظم أدوارها، في المجتمع التقليدي، داخل المنزل، واكتسبت بسبب هذه النقلة النوعية، مزيداً من القدرات المعرفية التي صقلت خبراتها الحياتية، وشكلت شخصيتها الثقافية المميزة.
وكان من ثمار ذلك التطور البارز في حياة المرأة الإماراتية، أنها أسهمت إسهاماً فاعلاً في الحراك الثقافي والفكري داخل المجتمع الإماراتي ،وذلك من خلال مشاركتها الكبيرة في المشهد الثقافي، سواء من خلال الإبداع الأدبي، أوالكتابات الصحفية، ناهيك عن دورها المؤثر داخل مؤسسات التعليم المختلفة، بالإضافة إلى مشاركتها في منظمات المجتمع المدني .
وكما هو معلوم فإنه في العقود الثلاثة الماضية، شهدت دولة الإمارات نقلة نوعية في مجال الثقافة حيث ارتفع منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي عدد المؤسسات الثقافية، وزادت حركة النشر والتأليف حيث استضافت الإمارات العربية المتحدة، الكثير من المبدعين المميزين في كل المجالات (المسرح ،الفنون، الشعر، الرواية، السينما)، كما زار البلاد مئات الكتّاب العرب، كما بدأ الكتّاب الإماراتيون في عقد التسعينات بنشر نتاجاتهم الشعرية على وجه الخصوص في بعض المراكز الثقافية العربية المعروفة مثل بيروت والقاهرة ودمشق .
وكان للمرأة ولا يزال حضورها القوي في المشهد الثقافي حيث أن هناك أسماء عدة لنساء إماراتيات رائدات في هذه الفترة نشرن بأسماء مستعارة وبعضهن بأسمائهن في الشعر والقصص .
وهناك الكثير من الأسماءالنسائية التي تركت بصماتها واضحة في المشهد الثقافي، وهو ماتؤكده الباحثة والإعلامية الدكتورة حصة لوتاه، التي تشير إلى أن المرأة الإماراتية تمثل ضلعاً استراتيجياً في البناء، ويتجلى ذلك عبر مشاركتها الفعالة والمثمرة على مستوى الإدارة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وترى الدكتورة حصة أن مسألة الثقافة، تعتبر من بين أهم المحركات القادرة على تعميق وعي المرأة في أشكال مشاركاتها، ومن بينها «المبادرات المجتمعية» التي قادتها المرأة، وبشكل ملحوظ، في فترة الستينيات والسبعينيات .
وتذهب الشاعرة والروائية صالحة غابش إلى أن وعي المرأة الإماراتية يزداد بشكل دائم، ضمن مبادرات نوعية وفردية، على مستوى المشاركة المجتمعية في بناء مؤسسات ثقافية، وبإيمان تقوده رؤية الاشتغال على مسألة تعميق التجربة الإبداعية مؤكدة أنها حققت خطوات ناضجة، وأسست لإشراك النساء في صناعة القرار، والتي تمثل تحولاً داخلياً في منظومة المشاركة المجتمعية، يدعمها التنوع الفكري والنهوض الحضاري بشكل عام.
والحقيقة أننا لو أردنا سرد الأسماء النسائية البارزة في الإمارات لاحتجنا الى الكثير من الدراسات، خاصة مع الإقبال الشديد للمرأة الإماراتية على العلم، ودخولها القوي في عالم الثقافة من أوسع ابوابه،خاصة وأن إنجاز المرأة في الجانب الثقافي لا ينفصل عن إنجازاتها في شتى المجالات الأخرى أخيرا يمكننا القول: إن المرأة الإماراتية أسهمت إسهاماً فاعلاً في تشكيل المشهد الثقافي والفكري داخل المجتمع الإماراتي، سواء من خلال الإبداع الأدبي، أو عن طريق مشاركتها المثمرة في الأحداث الثقافية والأدبية، التي تقام محلياً وإقليمياً،وعالمياً أيضاً.
الأحد 14 أكتوبر 2018
http://alwatannewspaper.ae/?p=389014