مستخدمون لمواقع التواصل ينشرون بلا حسيب أو رقيب بطريقة تنم عن عدم المسؤولية الحاجة المتزايدة إلى ضبط وسائل التواصل الاجتماعي
مقال - الأحد 23 سبتمبر 2018الحاجة المتزايدة إلى ضبط وسائل التواصل الاجتماعي
مع تطور العلوم المتسارع، وتطور وسائل الاتصال بين الناس، ولاسيما في العقود الأخيرة، وتحديداً بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي ربطت وشبكت الخيوط بين أكثر من أربع مليارات إنسان، أي نصف سكان الكرة الأرضية، بعد هذا التطور المذهل، بدأ دور وسائل الإعلام التقليدية، يجد منافساً له، أو على الأقل يجد شريكاً يوازيه في مهماته، حيث برزت مجموعة كبيرة من البشر، تمارس ما يمكن وصفه أعمالاً صحفية، كتصوير أحداث معينة، وإرسالها إلى وسائل الإعلام، بسرعة كبيرة، من خلال الهواتف الذكية، وهكذا فإن شبكات التواصل الاجتماعي، قد اجتازت كلّ الحدود والمعوّقات الاتصالية، وأصبحت تؤثّر بشكل فعال في الحياة الفردية والاجتماعية، حتى أننا لاحظنا كيف استطاعت شبكات التواصل الاجتماعي أن تغير في مسارات الحياة في الكثير من مناطق العالم، ولا سيما بالنسبة للفايسبوك، وغيره من مواقع الدردشة، حيث ظهر جيش من الإعلاميين، عبر هذه المواقع، غطى الكثير من الفعاليات والأحداث، لدرجة أن بعض وكالات الأنباء الرسمية أحياناً راحت تستقي معلوماتها أحيانا من هؤلاء الإعلاميين الهواة، الذين كانوا يبثون الصور من مواقع الحدث مباشرة.
ومع تطور التكنولوجيا المذهل ولا سيما خلال السنوات الأخيرة القليلة شكلت وسائل التواصل الإجتماعي فضاءً مفتوحاً أمام الكثير من الشباب أمّدهم بحرية التعبير والتواصل في ما بينهم، وألهمهم أفكاراً تداولتها قنوات مواقع التواصل الاجتماعي، لتتشكل بذلك بدايات ما بعد الحداثة ” زد على ذلك أنه وخلافاً لما يتداول في الأوساط الرّسمية على أنّ غالبية الشباب ينصب تركيزهم على المواقع الترفيهية، إلا أن ما يمكن وصفه الآن بمواقع التواصل يمثل ثورة تكنولوجية بكل معنى الكلمة، أو ما يمكن وصفه حسب علماء النفس والاتصال بانقلاب اجتماعي، بسبب تدفق المعلومات الهائل أمام شباب اليوم، من خلال مواقع التواصل الاجتماعية، والتي أصبحت بفعل مميزاتها مقصداً الجميع ” من أفراد المجتمع .
والحقيقة أن انتشار مواقع التواصل هذه بالشكل الكبير والسريع، جعل بمقدور الفرد التأثير في عالم مفتوح، من خلال وسائل تعبير منخفضة التكاليف وسهلة الاستعمال بسبب التطور التكنولوجي، وواسعة الانتشار.كما يتسم بالتنوع اللامتناهي في الرسائل الإعلامية والمحتوى الإعلامي.
وعلى الرغم من أن فتح مواقع التواصل الاجتماعي مكن الكثيرين، من الإدلاء بدلائهم في الأخبار، ومهمات إعلامية كثيرة، إلا ان أحدا لا ينكر أن هذا الانفتاح في الفضاء الإلكتروني، ألقى بالكثير من المسؤوليات، على من يرغب في احترام الآخرين، واعتماد الموضوعية والأخلاقية في التعامل مع وسائل الإتصال الواسعة الانتشار بشكل لم يسبق له مثيل عبر التاريخ.
وهذا الاندفاع في مواقع التواصل ترك آثاره الإيجابية، لكن هذه الآثار لم تخل من السلبية أيضاً. فكما أنه يوجد هناك ما يوصف بميثاق الشرف الإعلامي بالنسبة لوسائل الإعلام التقليدية المسموعة منها والمرئية والمقروءة، يبدو أننا أصبحنا بحاجة إلى ضوابط لهذا الجموح المتواصل في استخدام وسائل الاتصال والتواصل، خاصة وأن هناك أشخاص، وجدوا في ضعف الرقابة، واتساع الفضاء الإلكتروني وسيلة لنشر مواد إعلامية كثيرة، لا تحمل المعايير المطلوبة لا بالنسبة للعمل الصحفي، ولا بالنسبة للأخلاق أيضا، ناهيك عن أن البعض رأى في هذه الوسائل وسيلة ارتزاق وتجميع للأموال، وخاصة مستخدمي موقع اليوتيوب، حيث لجأ البعض إلى نشر أفلام فيديو إما مفبركة أحيانا أو أنها لا تتناسب والأخلاق الصحفية، ولا تتسم بالموضوعية.
هذه المقدمة قادنا إليها في هذه العجالة ظهور بعض المواد الفلمية بين حين وآخر، تتناول الأحداث في اليمن، وتنقل صوراً يزعم مروجوها بأنها جثثاً لشهداء في قوات التحالف، وبطريقة لا تتناسب وأي المعاييرالأخلاقية، والمهنية، وتسيء بشكل كبير إلى أرواح الشهداء، وإلى ذويهم، وإلى بلادنا الحبيبة التي كرمت الشهداء أيما تكريم.
ومع أن الكثير مما يتم نشره قد يكون صورأ مفبركة، لا مصداقية وإسناد توثيقي لها، إلا أنه يمثل إشكالاً لا يجوز تركه على الغارب، خاصة وأن من يقف وراء هذه الفيديوهات، إما هو شخص جاهل لا يدرك مصالح وطنه، أو أنه مرتبط بجهات خارجية تهدف إلى الإساءة إلى أبنائنا الشهداء الذين قدموا أرواحهم بسخاء في سبيل الله و الوطن، خاصة و ان دولتنا الحبيبه كرمت الشهداء و قبلها طبعاً ديننا الإسلامي الحنيف الذي كرم الشهداء ووضعهم في مكانه عاليه.
زد على ذلك أن مواقع التواصل الإجتماعي تشكّل فضاءا خصباً للمنظمات ذات الأبعاد الإرهابية حيث تلجأ هذه المنظمات إلى انتهاز فرصة التوافد الكبير للشباب بشكل خاص على مواقع التواصل الاجتماعي لاستهدافهم، وتسخير ما يظنون انه رسائل إعلامية في سبيل مصالحها . ناهيك عن أن نشر مثل هذه الصور هو أمر مسيئ للشهيد وذويه، هذا اذا افترضنا أن شريط الفيديو حقيقي أولا.
وفيما يزعم ناشرو هذه الصور لشهداء في التحالف العربي في اليمن، نقول إن للموت حرمته ولا يجوز وضع صور شخص ميت؟ لأن ..للموت حُرمة يجب مراعاتها وآداب يجب الالتزام بها، لذلك الدين الإسلامي على تعليم اتباعه مراعاة حرمة الميت والتأدب مع هذه النفس التي صعدت الى بارئها أيّاً كان دينها.
أخيراً وليس آخراً لابد لنا من القول :إن نشر أي مادة إعلامية مهما كانت يجب أن يتوخى صاحبها الدقة والموضوعية، وألا تتجاوز القيم والمعايير الأخلاقية وإلا فأن نشر مثل هذه المادة، لا يمكن تفسيره على أساس حسن النية، خاصة إذا ما علمنا الآثار النفسية السلبية التي قد تنعكس على عائلات الشهداء، الذين قدموا باستشهادهم أرع الأمثلة في الشجاعة والعطاء والغيرية، وبالتالي فإن احترامهم واحترام ذكرياتهم وأسرهم تبدو واجباً وطنياً، ومسؤولية كل أبناء الوطن، مع ضرورة الوعي الحقيقي لمخاطر مثل هذه الأفعال، وآثارها على مجتمعنا الذي اثبت على الدوام بأنه مجتمع متماسك وقوي، يولي الأخلاق والتعاليم الإسلامية جل اهتمامه، ويعطي الإنسان حقه دائما، وهو ما جعل منه محط احترام وتقدير العالم كله .
http://alwatannewspaper.ae/?p=380193
الأحد 23 سبتمبر 2018