حصة العسيلي.. «ماما الإعلام» ونبع العطاء
انجازات المرأة الإماراتية في مختلف المجالات .![]() | ![]() | ![]() |
البيان 20 يوليو 2013
ينما تقابل الدكتورة عائشة البوسميط المستشار الإعلامي في هيئة الطرقوالمواصلات في دبي، لن تشعر برسمية اللقاء، خصوصاً وأن مستضيفتك مستودع للمعلوماتوخبرة لا يستهان بها، ستُعجب ببساطتها المتناهية، لتنتقل معها في حوارات ومواضيعشتى، تدرك من خلالها سعة الاطلاع والحنكة التي تتمتع بها، وتخرج في نهاية المطافدون أن تدرك كم من الوقت أمضيت معها، ففي حديث شيق محوره الوطن سرعان ما تمراللحظات دون أن تدري.
رابط مقدس
الدكتورة عائشة البوسميط كانت خير من يتحدث عن الإعلامية القديرة حصةالعسيلي، فهي أول إعلامية في الإمارات وتسمى "ماما الإعلام"، وهي فوقهذا وذاك تولت مهمات عديدة في المعارض الخارجية التي شاركت في الدولة باحترافيةعالية ووطنية صادقة فكانت مستودع العطاء.
في مستهل حديثها، قالت البوسميط: لا أريد أن أكون تقليدية في سرديلسيرة حصة العسيلي، لكن من أجل إعطاء هذه المرأة المبدعة حقها، يتوجب علينا الولوجإلى بعض المحطات في حياتها، والإسهاب في بعض الجوانب والتفاصيل.
وتحدثت عن زخم الشخصية وتعدد أوجه نبوغها وتألقها في مسيرة مديدةوغنية بالدروس والعبر، قدمتها على مدى سنوات طويلة وهي التي امتلكت حياة حافلةبالنشاط الأكاديمي والاجتماعي والثقافي، وتوزعت تجربتها على دول ومجتمعات عربيةوغربية عدّة، لذلك جاءت خبرتها متنوعة ومميزة، وهي التي اعتقدت ولا تزال، بأن وراءكل إنسان طاقة خلاقة عليه استثمارها لخدمة وطنه.
المرأة الوحيدة
ووصفت الدكتورة عائشة البوسميط، حصة العسيلي بأنها الأم الرحيمة أوالأم الثانية، إن جاز التعبير، فقد تعلمت منها ماذا تعني قيم المواطنة الحقة، وكيفتكون محباً مخلصاً لوطنك فعلاً لا قولاً، وأضافت: كنت قبل الالتزام الوظيفي أرافقحصة في سفرها خلال المشاركات الخارجية للدولة في المعارض المتنوعة، ومن المواقفالتي لا تغيب عن ذاكرتي مشاركة الإمارات في إكسبو عام 2000، عندما وقفت حصة وكانتالمرأة العربية الوحيدة التي تقف أمام حشود من المشاركين والحضور لتتحدث بلغةإنجليزية واضحة عن مشاركة دولة الإمارات، مؤكدة: كنت أشعر بزهو وفخر، والكل يسألمن هذه السيدة القادمة من دولة عربية خليجية، كان إحساسي أنها لم تمثل في هذااليوم دولة الإمارات، وإنما وطننا العربي الكبير.
مستودع الخبرات
وتابعت: معرفتي بها بدأت منذ الصغر، فهي من علمتني مفردات الحياة، وهيمرشدتي وموجهتي وبوصلتي التي أستشيرها في صغائر الأمور وحتى أكثرها أهمية، وأناواثقة أني أمام مستودع من الخبرات.
كانت في فترة من فترات التألق العملي كثيرة الأسفار، ولازمتها حينها،ومن شدة التعب نتيجة الترحال المتواصل والمشاركات الإماراتية الخارجية، كنت دائماًأسأل نفسي: من أين لهذه السيدة كل هذه القوة والعزيمة؟! لكن الجواب كان واضحاً،فما يحرك حصة العسيلي، وحركها طوال مسيرتها، هو إيمانها الشديد وحبها للإمارات،ذلك الشعور الوطني المنحاز دوماً للوطن هو سر تألقها وتوهجها الدائم.
وفي أحد المعارض الدولية الكبرى كنت برفقة أعضاء وفد الإمارات، ورأيناعلى أحد الممرات آثار دماء، لم نعرف من صاحبه وماذا حل به، لنكتشف لاحقاً أن حصةهي التي تنزف دماً من قدمها، وبسبب انشغالها في تحضير الجناح، لم تكن تشعر حتىبأنها جريحة، إنه الإحساس والشعور الوطني الخالص المنحاز إلى الوطن.
موقع للصلاة
وفي إحدى المشاركات الإماراتية، أذكر تحديداً في سويسرا، والحديثلعائشة البوسميط، أن حصة كانت هي «فريق العمل بكل بساطة»، لا أحد معها تتابع أدقالتفاصيل حتى الضيافة، وهي القهوة العربية الإماراتية، تعدها بنفسها لتقدمها إلىضيوف الجناح، والتي أجادت فن إتقانها من «بابا زايد»، رحمه الله، والذي تشرفتبلقائه أكثر من مرة خلال افتتاحه جناح دولة الإمارات في معارض عدة.
وفي معرض بإيطاليا، كنت معها، ومن عادتها تخصيص موقع للصلاة، وفي إحدىالمشاركات جاءها طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره، وكان يسأل عن الدين الإسلامي،لنفاجأ بعدها بإشهار إسلامه، ومعه تسعة أشخاص، وكم كانت فرحتها بهم كبيرة، ومنأبرز صفات حصة أنها كانت تهتم بأدق التفاصيل، وتُعنى براحة الفريق الذي يسافر معهالتمثيل الدولة في المعارض، ولأن الدولة كانت في مرحلة التطور كانت بعض الدول لاتعرف أين موقع الإمارات على الخريطة، فكانت حصة تجيب وتتواصل بصورة مشرفة جعلت منالإمارات معلماً معروفاً.
«ماما حصة»
الدكتورة عائشة تحدثت بلغة يغلفها الإحساس بالفخر، معتبرة حصة منالأهل، وقد تمكنت من تعليم جيل من الشباب كانوا محظوظين في مرافقتها بالأسفار،فغرست فيهم مفاهيم المواطنة الحقة، والثقة بالنفس، وكان الكل يناديها «ماما حصة»..شخصيات كثيرة عملت معها وغدت الآن في مناصب قيادية، ولا تزال تدين لها بتعليمهمأبجديات الحياة العملية الصحيحة، وأنا أراها في المنزل، ونلتقي بصورة شبه مستمرة،فتواصلنا يتعدى البعد المادي والتواصل الجسدي، وعلاقتي بها هي علاقة الابنة بأمها،نتفق ونختلف ونحترم آراء بعضنا البعض.
حصة باختصار، كما أكدت عائشة البوسميط، هي قصة وطن؛ وطنيتها العاليةهي المحرك الأول لها.. أثبتت منذ سنوات كثيرة أن المعارض والمشاركات الخارجية،ليست أمراً هيناً أو عادياً، بل هي ترويج للدولة وإبراز لجوانبها الثقافيةوالاقتصادية والتاريخية، لذا كانت تحمل وطنها في قلبها أينما حلت وارتحلت.
بدأت صغيرة
حصة العسيلي من وجهة نظر ابنتها الدكتورة عائشة، تحدثت عن مفاصلمحورية مهمة في هويتنا، منها أهمية الانفتاح الثقافي مع الحفاظ على موروثنا، وذكرتلنا أن حصة بدأت حياتها العملية وهي صغيرة لم تتجاوز الـ 15 من العمر، والدتهاتوفيت على سجادة الصلاة، ووالدها تعرض لإصابة في الظهر فاضطرت على تحمل المسؤولية،وانطلقت في العالم الرحب.
وختمت الدكتورة عائشة البوسيمط حديثها قائلة: أنا سعيدة جداً، فحصةالعسيلي بالنسبة لي أم، وهي فوق ثقافتها وعلمها ووطنيتها، تجمع كل صفات الإيثاروالعطاء والأحاسيس الدافقة، هكذا هي وهكذا بقيت.. شريان عطائها الدافق لم يتوقف،فقد كانت العسيلي وستبقى، نموذجاً حياً للعطاء، وحضوراً شجياً متوشحاً بالأملوالحب والإخلاص.
صوت الساحل
بعد عملها مع إذاعة «صوت الساحل» في الشارقة، انتقلت حصة عام 1969مللعمل مذيعة في تلفزيون الكويت من إمارة دبي، ثم تحولت مع بداية دولة الاتحاد إلىمذيعة أولى مع تلفزيون وإذاعة أبوظبي حتى العام 1974، متدرجة بصعودها الوظيفي منمنصب إلى آخر، لتباشر بعدها مهامها الوظيفية في وزارة الثقافة والإعلام، وصولاًإلى عام 2000، وقد حظيت خلال تلك السنوات بمنصب مشرّف، وهو أول امرأة في العالمتتقلد وظيفة مفوض عام في معرض إكسبو سنة 1992، ثم أول عربية يتم اختيارها عضواً فيلجنة التسيير والمتابعة في «هانوفر» عام 2000م، مع الكثير والعديد من الأوسمةوالجوائز وشهادات التقدير.
أول صوت إذاعي في الدولة.. 1965
حصة العسيلي وكونها أول إعلامية في الدولة، فقد فتحت المجال أمامالمرأة لدخول الإعلام، وهو أهم الإنجازات في حياتها العملية، عــلاوة على تمثيلهاالدولة في المحافل الدولية، إذ بدأت العسيلي مشوارها مع انطلاقة إذاعة «صوتالساحل» التابعة لإمارة الشارقة سنة 1965، وأكملت دراستها من المرحلة الابتدائيةإلى الثانوية في مدارس الشارقة، وكانت محاطة بنخبة من رواد الحركة الشعريةوالأدبية في الإمارات.
وفي جانب آخر أوضحت البوسميط أن حصة وخبرتها الكبيرة في مجال الإعلاموعالم المعارض، تبدو طاقة غير مستــغلة، إنها خــبرة كبـــيرة ويمكن أن تكون ذاتفائدة عظـــيمة، خاصة في ظل سعي الإمارات نحــو استـــضافة إكـــسبو 2020، فهيخبيرة في المعارض والمؤتمرات العالمية، ودائماً ما حصلت الأجنحة التي شاركت فيهاعلى جائزة أفضل جناح في التصميم، الذي كانت تحرص على أن يحاكي على الدوام تراثالإمارات وعراقته، فيما يرفرف علم الإمارات خفاقاً.
وأكدت الدكتورة عائشة البوسميط أننا بحاجة إلى إعادة صياغة لثقافةالمعارض، ودورها وأهميتها في استقطاب الزائرين للوطن، مشيرة إلى أن حصة العسيليكانت من أوائل من آمن بهذه المسألة، وقدم دوراً وطنياً لا يستهان به على مدارالعقود الأربعة الماضية.
وأضافت: ما فعلته حــصة العسيلي يدرس، وقد حصلت على المئات منشهـــادات التقدير والأوسمة، وما نحتاجه اليــوم هو الاستفادة من خبرتهاوالطــاقات المشابهة لها، فشبـــاب اليوم يحــتاج إلى مرشد خبير، أو بوصلة ترشـدهإلى الأفضل، فالخبرة لها مكانتها، والعقل البشري تراكم ونتاج تعب ورصيد مسيرة منالإنجازات واحتـــكاك مع ثقافات أخرى.